يعاني الكثير من الناس من عادة التسويف في حياتهم اليومية، وهي بشكل عام حالة انشغال وتشتت تصيب الإنسان، تسبق قيامه بالمهام الموكلة إليه، حيث يقوم بإقناع نفسه بإمكانية تأجيلها وإنجازها في وقت لاحق. تتعدد أضرار هذه العادة ويعد ضياع الوقت والتأخر أو عدم إنجاز المهام إحدى أبرز أضرارها بشكل عام. إضافة إلى الإحساس بمشاعر سلبية مثل التوتر، القلق، الاكتئاب بعد حدوثه، كما أنه يؤثر بشكل سيء للغاية على حياة الإنسان من جميع النواحي المهنية، الدراسية، والاجتماعية وغيرها. لذلك قررنا في هذا المقال التطرق مفهوم التسويف والمماطلة، أضراره وتأثيراته على حياة الإنسان، إضافة إلى مجموعة من الاستراتيجيات والنصائح للتخلص من التسويف والتأجيل والتغلب عليه.
مفهوم التسويف والمماطلة
التسويف هو عملية التأجيل بشكل متعمد لبعض المهام والأعمال، رغم أهميتها البالغة، ويمكن أن تكون هذه المهام والأعمال في الحياة المهنية، الدراسة، الحياة الاجتماعية، وغيرها. رغم عدم وجود أي سبب فعلي للتأجيل. يضر التسويف بشكل كبير بالتقدم في الحياة والإنجاز. وهو بشكل عام إحدى السلوكيات التي يقوم بها الإنسان إما خوفا من الفشل، أو رغبة في البقاء في منطقة الراحة، إضافة إلى التهرب من المسؤوليات وعدم تحديد أهداف واضحة.
يتسبب التسويف والمماطلة بعدة مشاكل وأمراض نفسية كالتوتر، القلق، الضغوطات. كما أنه يؤثر بشكل كبير على الصحة الجسدية للإنسان بحيث يجعله يماطل على سبيل المثال لا الحصر، القيام بالتمارين الرياضية، أو أكل الطعام الصحي، أو زيارة الطبيب عند رؤية أعراض مرضية.
أسباب التسويف والتأجيل
تتجلى أبرز أسباب التسويف المعروفة في الخوف من الفشل بشكل أساسي، إذ تجعلنا المهام الحساسة والتي يطلب منا أن نثبت جدارتنا وكفاءتنا في أدائها نشعر بالقلق من الفشل، فنقوم بتأجيلها تجنبا للإحساس بالإحباط. كذلك تعد المهام العادية والسهلة التي يتوجب علينا القيام بها على المدى الطويل إحدى الأسباب المباشرة في التسويف والتأجيل والمماطلة، إذ يؤثر غياب اللذة الفورية عند إنجاز تلك المهام والمكافئات المباشرة عند الانتهاء منها على رغبتنا في القيام بها.
نصائح واستراتيجيات للتخلص من التسويف والتغلب عليه
توجد عدة استراتيجيات يمكن أن تساعدك بشكل كبير في القيام بالتخلص من التسويف ومواجهته والتغلب عليه، وتتجلى هذه النصائح والاستراتيجيات في:
قسم المهمة الواحدة إلى عدة مهام صغيرة
يعتبر التفكير في حجم المهمة المطلوب إنجازها أحد أكثر الأسباب التي تؤدي إلى التسويف، حيث يجعلك هذا تحس بالخوف والارتباك من الجهد الكبير الذي تحتاجه للبدء، ويجعلك ترى وكأن جبلا ينتظر منك تسلقه. لحل هذا المشكل يمكنك القيام بالتفكير في تقسيم المها الكبيرة والمعقدة الموكلة إليك إلى مهام أصغر يمكن إنجازها بشكل متسلسل وواضح، وذلك لتجنب الإحساس بالملل أو التشتت.
على سبيل، إذا كنت طالبا وتراكمت عليك مجموعة من الدروس والوحدات، ولم يبقى للامتحانات الكثير من الوقت، ننصحك بالقيام بتقسيم البرنامج إلى أقسام ودروس، ومحاولة فهمها وضبطها واحدة بواحدة والاشتغال على نماذج الامتحانات والتمارين كل واحدة على حدة. وينطبق هذا على باقي التخصصات والمجالات.
لا تنتظر الوقت المثالي للبدء
ينتظر الكثير من الناس الوصول إلى الوقت المثالي للبدء في المهمة المراد إنجازها. ويعتبر هذا الخطأ خطأ قاتلا، حيث أنه السبب الرئيسي للتسويف والتأجيل وتنفيذ غالبية المهام لدى معظم الناس الذي فشلو في تنفيذ مهامهم. الشيء الوحيد الذي يجب عليك معرفته عزيزي القارئ، هو أن الوقت المثالي وبكل صدق لن يتحقق في أي يوم من الأيام. حيث أن الحياة مليئة بالصعوبات، وكل يوم جديد لديه صعوباته ومشاكله المختلفة. فإن كنت تمتلك المزاج المناسب للعمل أو الدراسة على سبيل المثال لا الحصر، فيمكن أن تكون البيئة والظروف غير مناسبة لذلك أو العكس.
حاول أن تبدأ إنجاز المهمة التي تنتظر في أول فرصة تسمح لك بذلك، وابتعد عن فكرة انتظار اليوم الذي يكون فيه كل شيء مهيئ للقيام بها. حيث أن البدء بتنفيذ المهمة وعدم انتظار الوقت المناسب هو الشيء الوحيد الذي يضمن لك تحقيقها رغم كل الظروف والمشاكل التي يمكن أن تواجهك.
حدد أولوياتك بدقة
إحدى أكثر الأسباب شيوعا التي تؤدي إلى عدم القدرة على إنجاز المهام هو عدم القدرة على التعامل مع كثرة المهام، حيث أن الإنسان حينما لا يتمكن من التعامل مع المهام المتعددة المطلوبة منه يحاول الخروج من تلك الدوامة عبر تأجيلها والتسويف للهروب منها بشكل مؤقت. لذلك ينصح بالقيام بترتيب المهام المطلوب منك إنجازها حسب أهميتها.
خصص وقتا للإنجاز
يقوم الكثيرون بتأجيل أعمالهم والمماطلة في إنجازها فقط بسبب عدم مقدرتهم على التحكم في رغباتهم وانقيادهم للمشتتات المختلفة من خروج مع الأصدقاء، مشاهدة فيلم مفضل، تصفح مقاطع الفيديو على يوتيوب، وغيرها. بحيث تكون هذه المسببات الرئيسية التي تكون عائقا يمنعهم من أداء مهامهم.
يمكنك التعامل مع هذه المشتتات بشكل فعال للغاية عن طريق تخصيص وقت معين للعمل والدراسة مثلا واختيار البيئة المناسبة للعمل والدراسة، وقت آخر خاص بالخروج مع الأصدقاء، وقت آخر للعائلة، وهكذا. كما يمكنك أيضا استخدام تقنية البومودورو لزيادة التركيز والإنتاجية، بحيث تعمل 25 دقيقة بشكل مركز للعمل تنفيذ ما ينتظرك، وأخذ 5 دقائق راحة بعد كل واحدة منها.
كافئ نفسك
توجد عدة مهام سهلة طويلة المدى يطلب منا القيام بتنفيذها كما ذكرنا ضمن أسباب التسويف، ويعتبر غياب اللذة الفورية وعدم وجود أي مكافآت فورية مترتبة عن تنفيذ المهمة السبب الرئيسي الذي يجعنا نؤجل القيام بها رغم أهميتها.
يمكنك حل هذا المشكل عن طريق القيام بمكافأة نفسك على تنفيذك للمهمة المطلوبة منك، حيث تؤكد مجموعة من الدراسات أن هذا سيحفزك على بذل جهد مضاعف للحصول على هذه المكافأة. يجعلك هذا ترى أن قيامك بمهامك أسهل بشكل أكبر بكثير في نظرك مقارنة بالتحفيز الذي كنت ستشعر به في حال ما عملت دون القيام بمكافأة نفسك.
انظر إلى إيجابيات المهمة
يعتبر التركيز على إيجابيات المهمة إحدى أفضل الطرق لتحسين الإنتاجية وزيادة الأداء والتخلص من التسويف، حيث يجعلك هذا تعمل بجد مضاعف لتحصد تلك النتائج، كما أنه يساعدك على إدارة مشاعرك تجاه المهمة المطلوبة منك. يعزز التفكير في الراحة التي تتبع إنجاز المهمة والمكافأة التي سنحصل عليها بشكل الدافع الداخلي في تنفيذ المهام. كما أن هذا يجعلنا مستعدين بشكل كبير للبدء في تنفيذ المهمة دون تأجيل.
تحدث مع نفسك بالشكل الصحيح
يعد التحدث مع الذات بالشكل الصحيح إحدى الطرق الفعالة لتحفيز الذات والتخلص من التسويف. فكما ذكرنا من قبل أن الخوف من الفشل يعد إحدى الأسباب الرئيسية في التسويف والتأجيل والمماطلة. يمكن محاربة هذا القلق والخوف من الفشل عبر القيام بالتحدث مع النفس بعبارات مثل “سأحاول بذل ما أستطيع من جهد في هذا العمل” أو “سأنجز هذا العمل خطوة خطوة”. تساهم هذه الطريقة بشكل فعال في تقوية الثقة بالنفس ويقلل بشكل كبير القلق المرتبط بتلك المهمة.